الهيدروجين هو أبسط العناصر وأكثرها وفرة في الكون ومع ذلك، نادرًا ما يوجد على كوكبنا في حالته النقية (ثنائي الهيدروجين)، نظرًا لكونه شديد التفاعل، فإنه يرتبط بسهولة بالعناصر الأخرى ويتواجد بشكل أساسي في شكل مواد عضوية وهيدروكربونات
هذه الوفرة التي لا تنضب تجعل الهيدروجين أصلًا مهمًا لتسريع انتقال الطاقة، وفي الوقت نفسه، أساسًا للسيادة وفرصة للإقلاع الاقتصادي نظرا للأهمية البالغة التي يوليها العالم لمشكلة الاحتباس الحراري
الهيدروجين غاز عديم اللون والرائحة، واللون المنسوب إليه يستخدم فقط لتوصيفه وفقًا لمصدر الطاقة المستخدم في إنتاجه: الأخضر للطاقة المتجددة (الشمسية، والرياح، والهيدروليكية، وما إلى ذلك)، والأصفر للطاقة النووية، الرمادي للهيدروكربونات، أما الأزرق فهو مثل الرمادي ولكن مع احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه
تولي الدول الكبرى اهمية قصوى للطاقات المتجددة، ولهذا الغرض رصدت اعتمادات فلكية للتشجيع على الاستثمار في الاقتصاد النظيف، ومن المتوقع أن تصل قيمة انتاج الهيدروجين مثلا إلى 10 تريليون دولار في العقدين القادمين
في هذا الإطار، قام الاتحاد الأوروبي بإطلاق خطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وهي استراتيجية مهمة جدا نظرا للتحولات الجيوسياسية الكبرى في المنطقة خاصة مع الحرب الروسية الاوكرانية
خصصت استثمارات كبرى لتطوير هذا المجال،اذ تقدر قيمة الاستثمارات بسبعة مليارات يورو بالنسبة لفرنسا وضعفها تقريبا لالمانيا
ولنجاح الخطة، يحتاج الاتحاد الاوروبي الى توريد 40% من الهيدروجين من المناطق المجاورة خاصة دول شمال افريقيا
فتونس مثلا تتعرض لأشعة الشمس لمدة 300 يوم في السنة ولها شريط ساحلي كبير على البحر الأبيض المتوسط
سيتيح تطوير قطاع إنتاج الهيدروجين فيها إمكانية خلق 100.000 فرصة عمل و 200.000 طن من الهيدروجين، تتطلب 2 جيجاواط من الطاقة الكهربائية، التي يمكن إنتاجها من منشآت كهروضوئية منتشرة على مساحة تزيد عن 50.000 متر مربع في الصحراء التونسية
يمثل هذا الانتاج 0.28٪ فقط من 70 مليون طن من الهيدروجين المستهلك في العالم، ويمكن أن يحقق دخلًا يرواح 1 مليار يورو، يأتي جزء كبير منه من التصدير إلى أوروبا، كما يمكن نقل الهيدروجين في شكل غازي عبر خط أنابيب الغاز العابر
وهذا من شأنه أيضًا أن يجعل من الممكن تعزيز اقتصادنا من خلال التطبيقات المختلفة للهيدروجين للصناعات البتروكيماوية والصناعات التحويلية، فضلاً عن الاستخدامات المحلية
علاوة على الاهمية الاقتصادية الكبرى، سيمكن انتاج الهيدروجين الأخضر تونس من تحقيق استقلالها الطاقي، والتغلب على ظاهرة الاحتباس الحراري نظرا لخطورتها على جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية
وانطلقت الحكومة التونسية في العمل على برامج للتشجيع على انتاج الهيدروجين الاخضر لكنها خطوات بطيئة بالمقارنة مع دول الجوار، فمصر مثلا بصدد بناء أكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر، كما ان المغرب والجزائر أطلقتا مشاريعا للإنتاج والتصدير
وللحاق بركب الاقتصاد الأخضر، يجب على الدولة التونسية القيام بخطوات أكبر عبر استراتيجية وطنية تشاركية بين القطاعين الخاص والعام، مع القيام بحملات اتصالية واسعة للترويج للنقاط التي تمتاز بها تونس عن بقية الدول، مثل القرب من الاتحاد الاوروبي والمناخ المناسب لإنتاج الهيدروجين، فلذلك، وجب التركيز على خلق مناخ ملائم للاستثمار في القطاع الخاص، خاصة مع الوضعية الصعبة التي تعيشها المؤسسات العمومية التونسية
وللنجاح في المهمة، يجب تكاتف جميع الاطراف من الدولة والخبراء في جميع المجالات، لجعل تونس قبلة لكبار المستثمرين في إنتاج الهيدروجين
سيسمح الهيدروجين الأخضر لتونس بحماية بيئتها، لضمان أمن طاقتها بوسائلها الخاصة، وتقليل فاتورة المنتجات البترولية لحماية نفسها من انعدام الأمن في الميزانية بسبب تقلب أسعار النفط على الصعيد الدولي, لتحديث صناعتها و تغيير نموذجها التنموي, كما سيفتح الاستثمار في الهيدروجين الأخضر لتونس أبواب العمل لخريجي التعليم العالي وتكوين يد عاملة ذكية قادرة على الاستجابة لسوق الشغل الجديدة
باختصار، نحن أمام فرصة تاريخية لتغيير جذري يمكن أن يحوّل تونس إلى الدول الخضراء